-A +A
سمير عابد شيخ
اليوم الأحد هذا هو أول يوم في العشر الأواخر من رمضان 1429 المبارك! ومنذ تشريف هذا الشهر، وآلاف الأقلام على امتداد طول وعرض هذا الكوكب، وهي تكتب عن فضائله ومحاسنه وثواب صيامه وقيامه. ولهذا فإني سأسكب للقارئ الكريم من «قدر» آخر، وهو المعين الاقتصادي لهذا الشهر المبارك. وعلم الاقتصاد هذا لديه حزمة من القواعد والمفاهيم التي يرتكز عليها، أحدها مفهوم العرض والطلب. فكلّما زاد عرض سلعة في الأسواق رخص ثمنها، وكلّما ازداد الطلب عليها ارتفع سعرها. وعندما يصوم أحدنا، فهو يمتنع عن الاستهلاك أو بمعنى آخر يوقف الطلب على السلع ولو لفترة محدودة.
فلنفترض جدلا أنّ هذا الصيام يمتد لساعات أطول بل لأيام.. ماذا سيحدث من المنظور الاقتصادي! الاجابة هي أنّ انخفاض الطلب سيؤدي بالضرورة الى انخفاض الأسعار. ولكنّ استمرار الصيام أمر مستحيل ناهيك عن حرمانيته! ولكن الصيام الاقتصادي عن السلع المبالغ في سعرها مطلوب أحيانا! فهل يعقل أن يستطيع الملايين أن يصوموا عن الاستهلاك مطلبا لدينهم، ويفشلوا في الصيام عن سلع التهبت أسعارها رغم وجود بدائل لها! فلنعقدالنوايا في هذه الأيام المباركة أن نرخّص الأسعار بالصيام عن غوالي الأثمان. وعندها سيراجع التجّار والسماسرة وشركات الأغذية العملاقة، سيراجعون أسعارهم وسيجدون مبرّرات اقتصادية حقيقية وأخرى مبتكرة لخفض أسعارهم مرّة أخرى.

والآن دعونا ننقل البث التلفزيوني الى أحد الأحياء البسيطة بمدينة جدة، وهو حي الكندرة الذي تربّى منسّق هذه الكلمات في أكنافه. وممّا ألفته بذلك الحي أنّا وباقي أطفال الأسرة – من أبناء العمومة – كنّا نتحلّق صباح كل جمعة حول «زبدية الفتّة» التي كانت تصنعها جدتي (يرحمها الله) ببقايا الخبز والحليب. كنّا نحيط تلك «الزبدية» في حلقات يسبقنا فيها الكبير و«المتعافي» ويستأخر الصغار والمغلوبون على أمرهم. فكان أصحاب الدائرة الأولى هم الذين ينالون «ملاعق» كاملة من «الفتّة»، أمّا ضعاف الحلقات الخلفية فكانوا يخرجون «ملاعقهم» شبه خاوية بعد تفريغها من قبل الدائرة الأولى المتسلّطة.
أتدرون بماذا يذكّرني ذلكم المنظر! يذكّرني «بهوامير» البورصة السعودية الذين يتقدمون الرّكب فيحصلون على «الفتّة» ويتركون الآخرين بملاعق شبه خاوية الاّ من قطرات الحليب وفتات الخبز. والغريب في الأمر أنّ تلك اللعبة كانت تتكررّ صباح كلّ جمعة، وكان صغارنا يمنون أنفسهم بتحقيق نجاح أكبر في الدورة الجديدة. ولكن هيهات، فلقد تعلّم «هوامير العائلة» الدّرس، وظل المستضعفون يحلمون بخيرات سرعان ما تتبخّر! وحتى شكاوى الصغار لكبار الأسرة، لم تكن تُجدِ نفعا لأنّ تركيبة الأمور كانت في غير صالحهم. ألا تذكركم هذه الحالة بالله.. بشكاوى صغار المساهمين الى هيئة سوق المال ومؤسسة النقد من قبلها!؟
وبالأمس القريب حملت لنا وكالات الأنباء خبر تعثّر بنكين أمريكيين عملاقين، وفوجئنا مباشرة بانخفاض كبير للأسهم السعودية حيث تجاوزت خسائر الناس ألف مليون ريال في يوم واحد! وان كان ارتباط البورصات الغربية ببعضها مبرّرا، فأين مبرر ارتباط الأسهم السعودية بالبورصة الأمريكية. فهلاّ شرحت لنا هيئة سوق المال علاقة بنك «ليمان برذرز» مثلا بشركة تنتج «الحلاوة الطحينية» للسوق المحلّي!
أتدرون ما الحل اذن! الحل هو أن يمتنع صغار المساهمين عن المشاركة في هذه اللعبة الخاسرة. فكلّما قام «الهوامير» بادراج أسهم شركة جديدة في البورصة، يقول لهم الصغار «يفتح الله.. العبوا غيرها»! وكلّما قام «هوامير» آخرون برفع أسعار الأسهم خديعة ليعودوا فيطيحوا بها ثانية، يقول لهم صغار المساهمين : «شوفوا لكم وحدة ثانية.. هادى كمان مكشوفة». عندها سيصل الدّرس الى جيوب هؤلاء ومحافظهم البنكية... وتلك هي الدروس التي يفهمها من لا يخاف الله في خلقه! ورمضان مبارك.
smrshaikh33@gmail.com